ستشهاد الحوراء العقيلة السيدة زينب (ع)
بقلم :مجاهد منعثر منشد
يقول الشاعر مرتضى شرار العاملي
هي في الفصاحة والتجلّـد حيـدر...ولفاطـمٍ ذاك العفـافُ الأعجـبُ
مَن مثلهـا؟ إلاّ التـي هـي أمّهـا...هي بنت فاطمة، فمن يستغـرب
وحفيـدة الهـادي النبـيّ محمّـدٍ...وكفاهُ فخراً مَـن لأحمـدَ يُنسَـبُ
وأبوها مولى المؤمنيـن ،فمـا تـرى..ستكون زينبُ والأمير هـو الأبُ
أخواها سبطا المصطفى هل مَن لهـا..أَخَـوانِ مثلهمـا بمجـدٍ تُغلَـبُ
لو غيـر فاطمـةٍ تراهـا أنجبـتْ..شمساً كزينبَ عنـد ذاكَ سنعجـبُ
لكنّ هذي الشمس من شمس زهـتْ ..وهل الشموس سوى ضياء تنجبُ
حملـت فضائـل أمّهـا ومصائبـاً.. منهـا الجبـال بحملهـا تتكبكـبُ..
في بحثنا السابق عن مولد الحوراء زينب (عليها السلام ) الذي كان بعنوان (مولد عقيلة الهاشميين الحوراء زينب (ع) في المدينة) نطرقنا الى كناها وزوجها واولادها بشكل مختصر لذا سنذكرهم بموجز.ونذكر الان مافاتنا ذكره قبل الدخول في ذكرى استشهادها (عليها السلام) .ومولد زينب (عليها السلام) كان في زمن فيه عادة العرب استقبال ولادة الأنثى بالشؤم .ولكن كان تصرف النبي (صلى الله عليه واله وسلم ) مختلف تماما ,فعندما ولدت السيده زينب (عليها السلام) وَضَع خدّه الشريف على خدّها وبكى بكاءً شديداً وسالت دموعه على خديه. فإن ولادة كريمته الزهراء(ع) شكّلت عنده عيداً، كما كانت علاقته معها خلال حياته كانت مميزة، فلم يكن يسافر أو يرجع من سفر إلاّ مرّ وسلّم عليها.
إن هناك سرا مكتوماً عن الخلائق، قرأه النبي(ص) عندما نظرالى وجه حفيدته الوليدة، فهو أمرٌ يتعلق بحياتها القادمة وما سيجري عليها من مصائب لا تقوى عليه صناديد العرب .
إن النبي(ص) قد راى تاريخ حفيدته الوليدة عندما نظر في وجهها. فالقضية قضية وحي إلهي، قضية تعليم إلهي وكرامة ربّانيّة.
عندما رأت السيدة فاطمة(ع) هذا المشهد، سألت أباها محمد عن سبب بكائه، فأخبرها ما ستكون عليه هذه المولودة في حياتها وما ستشاهده وتعاينه.
لقد أشار النبي(ص) في كلامه لفاطمة(ع) إن من بكى على ابنتها كمن بكى على أخويها الحسن والحسين، فقد أنزل بذلك حفيدته "الأنثى" منزلة أخويها الإمامَيْن المعصومَيْن في نصيبها من الكمال الإنساني، دون أن يلغي التمايز الطبيعي بين الرجل والمرأة على مستوى الدور والوظيفة الإجتماعيّة وخصوصية كل منهما الطبيعيّة الحيويّة، فالقضية قضية إنسانية.
وقد بكى جبرائيل وهو يبلّغ النبي اسم المولودة ولم يسمِّ أحداً إلا بوحي من الله تعالى. وسأله النبي(ص) عن سبب بكائه، فكان جوابه بأنّ حياة هذه المولودة سوف تقترن بالمصائب والمتاعب من بدايتها إلى استشهادها .
زينب الكبرى، زوجة عبد الله بن جعفر، تكنّى أم الحسن، ويكفي في جلالة قدرها، ونبالة شأنها، ما ورد في بعض الأخبار من أنها دخلت يوماً على الحسين (عليه السلام)، وكان يقرأ القرآن، فوضع القرآن على الأرض، وقام لها إجلالاً1.
أصبحت السيدة زينب على صغر سنها سيدة المنزل وربة البيت ، ترعى شؤون أبيها واخوتها تماماً كما كانت أمها الزهراء تملأ فراغ اُمها خديجة بنت خويلد بالنسبة لرسول الله ( صلى الله عليه وآله ) حتى سميت أم أبيها .
وقد أشار العديد من الكتّاب والباحثين الى تحمل السيدة زينب لأعباء المنزل والعائلة بعد وفاة أمها الزهراء ( عليها السلام ) .
وتقول السيدة عائشة بنت الشاطيء : وإذا استطعنا أن نتناسى الى حين أحزان تلك الصبية التي روّع عامها الخامس بشهود مأساة الموت مرتين ، في أعز الناس لديها وأحبهم اليها ، اذا استطعنا أن نكف لحظة عن التحديق في تلك الظلال التي حامت على مهدها ، والأحزان التي أرهقت صباها ، ألفينا جانباً آخر من الصورة مشرقاً ، حيث تبدو « زينب » في بيت أبيها ذات مكانة أكبر من سنها : أنضجتها الأحداث ، وهيأتها لأن تشغل مكان الراحلة الكريمة ، فتكون للحسن والحسين وأم كلثوم ، أُماً لا تعوزها عاطفة الأمومة بكل ما فيها من حنو وايثار ، وإن أعوزتها التجربة والاختبار 2.
في بيت الدعوة إلى الله تعالى، ذلك البيت الذي كان فيه مهبط الوحي والتنزيل، تربّت عقيلة بني هاشم.
وقد أحاطت بها المحن والخطوب منذ نعومة أظفارها، وتجرّعت أقسى وأمرّ ألوان المصائب، كلّ ذلك من أجل رفع كلمة الله عالية خفّاقة.
اولادها:ـ
قيل : علي ، وعون الأكبر ، ، وعباس ، وأمّ كلثوم .3.
1. ـ علي :
المعروف بالزينبي ، وفي نسله الكثرة والعدد ، وفي ذريته الذيل الطويل والسلالة الباقية ، وهو كما في ( عمدة الطالب ) أحد ارجاء آل أبي طالب الثلاثة .
قفي ( تاج العروس ) مادة « زينب » : « والزينبون بطن من ولد علي الزينبي بن عبدالله الجواد بن جعفر الطيار ، نسبة الى أمه زينب بنت سيدنا علي ( رضي الله عنه ) وأمها فاطمة ( رض ) وولد علي هذا أحد أرجاء آل أبي طالب الثلاثة ) 4 .
ويقول عنه السيد الهاشمي : وأما علي بن عبدالله فهو المعروف بالزينبي ، نسبة الى أمه زينب بنت علي ( عليهما السلام ) ذكروا 5.
أنه كان ثلاثة في عصر واحد بني عم ، يرجعون الى أصل قريب ، كلهم يسمى علياً ، وكلهم يصلح للخلافة ، وهم : علي بن الحسين بن علي بن أبي طالب ( السجاد ) ، وعلي بن عبدالله بن العباس ، وعلي بن عبدالله بن جعفر الطيار ، ولكن إمام المسلمين وقتئذٍ كان السجاد زين العابدين ، يعظمه القريب والبعيد ، وتعنوا له كبار المسلمين ، وقد تزوج علي بن عبدالله بن جعفر ، لبابة بنت عبدالله بن عباس حبر الأمة ، وكان نسل عبدالله بن جعفر منه ، والسادة الزينبية كثيرون في العراق وايران ومصر والحجاز والأفغان والهند ، وقد جعل الله البركة في نسل هذه السيدة الطاهرة وطيب سلالتها 6 .
وقال ابن عنبة : كان علي الزينبي يكنى أبا الحسن وكان سيداً كريماً 7 .
2. عون بن عبدالله بن جعفر
كان مع أمه زينب في صحبة خاله الإمام الحسين ، وقد نال شرف الشهادة في كربلاء
وقد ورد ذكر عون في الزيارة الواردة في الناحية المقدسة أي عن الإمام الثاني عشر المهدي المنتظر ( عليه السلام ) حيث قال :
« السلام على عون بن عبدالله بن جعفر الطيار في الجنان ، حليف الإيمان ، ومنازل الأقران ، الناصح للرحمن ، التالي للمثان ، لعن الله قاتله عبدالله بن قطنة النبهاني » 8.
3. ـ عباس :
ذكر المؤرخون اسمه دون الأشارة الى شيء من حياته وسيرته
4. أم كلثوم :
أم كلثوم : وهي البنت الوحيدة كما يبدوا للسيدة زينب ، ولابد وأنها قد ورثت شمائل أمها ، وتحلت بمكارم أخلاق أبيها..
العقيلة.
ـ زينب العقيلة بنت علي بن أبي طالب، وأمها فاطمة بنت رسول الله (صلى الله عليه وآله)، والعقيلة هي التي روى ابن عباس عنها كلام فاطمة (عليها السلام) في فدك، فقال: حدثتني عقيلتنا زينب بنت علي9.
ويقول بن العباس - عبد الله :ـ إذا تحدت عنها قال: (حدثتني عقيلتنا زينب بنت علي (عليه السلام) 10.
فما معنى العقيلة؟
ورد في لسان العرب: عقيلة القوم: سيدتهم
وعقيلة كل شيء أكرمهم.
ويقال عقيلة قومها كريمتهم.
و في صحاح اللغة : إن العقيلة هي الكريمة.
أما معجم الوسيط فقد أشار أن: العقيلة هي السيدة المخدرة.
كانت زينب)عليها السلام) من فضليات النساء، وفضلها أشهر من أن يذكر، وأبين من أن يسطر، وتعلم جلالة شأنها، وعلوّ مكانتها، وقوة حجّتها، ورجاحة عقلها، وثبات جنانها، وفصاحة لسانها، وبلاغة مقالها، كأنّها تفرغ عن لسان أبيها أمير المؤمنين (عليه السلام) في خطبها بالكوفة والشام... وليس عجباً من زينب أن تكون كذلك وهي فرع من فروع الشجرة الطيبة النبوية، والأرومة الهاشمية، جدّها رسول الله، وأبو الوصي، وأمها البتول، وأخواها لأمها وأبيها الحسنان، ولا بدع أن جاء الفرع على منهاج أصله. 11.
إن شخصية الحوراء زينب كانت شخصية عظيمة في التاريخ وتحدت بشجاعتها وبرباطة جأشها كل الطغاة والظالمين الذين أرادوا تضليل الأمة وحرفها عن الصراط المستقيم ،
إن حياة عقيلة الطالبيين مدرسة رسالية متكاملة في العلم والإخلاق والمناقبيات والجهاد والنشاط والعمل الإسلامي الدؤوب من أجل الدفاع عن الإسلام ومقارعة الظلم والتحريف والجاهلية الأموية التي أرادت الإنقلاب على الإسلام وتحريفه
جمعت السيدة زينب الكبرى (عليها السلام) الصفات التالية :ـ
العبادة. الزهد. الصبر. الشجاعة. البلاغة والفصاحة..
وكانت حفيدة الرسول زينب سلام الله عليها كأبيها وأخيها في عظيم إيمانها وانقطاعها إلى الله، فقد وقفت على جثمان شقيقها الذي مزّقته سيوف الشرك، هو جثة هامدة بلا رأس، فرمقت السماء بطرفها، وقالت كلمتها الخالدة التي دارت مع الفلك وارتسمت فيه: (اللّهمّ تقبّل منّا هذا القربان)12 .
إن زينب (عليها السلام) كان لها مجلس خاص في بيتها أيام إقامة أبيها (عليه السلام) في الكوفة، وكانت تفسر القرآن للنساء. ففي بعض الأيام، كانت تفسر (كهيعص) إذ دخل أمير المؤمنين (عليه السلام) عليها، فقال لها: يا نور عيني سمعتك تفسرين (كهيعص) للنساء؟ فقالت: نعم. فقال: هذا رمز لمصيبة تصيبكم عترة رسول الله (صلى الله عليه وآله). ثم شرح (عليه السلام) لها المصائب، فبكت بكاءً عالياً.13.
وحق لها أن تسمى أم المصائب .فقد كانت شاهد وحاضرمصيبة استشهاد جدها الرسول الاعظم (صلى الله عليه واله وسلم ) .وشاهدت مصيبة استشهاد أمها البتول الزهراء (ع) .ومصيبة استشهادأبيها أمير المؤمنين (ع). ومصيبة شهادة أخيها الحسن بالسم . والمصيبة العظمى قتل أخيها الحسين (ع) من البداية حتى النهاية ...
المحنة والمصيبة رافقت العقيلة زينب بشكل متسلسل .وكل مصيبة ومحنة باسلوب اقوى واشد من الاخر .فالعدو استخدم اساليب مختلفة .
وكل هذه المصائب وتشاهد مصرع ولدها( عون) امام عينها في واقعة الطف مع خاله الامام الحسين (عليه السلام) ..وسيقت اسيره من كربلاء إلى الكوفة .ومن الكوفة إلى ابن آكلة الأكباد بالشام ورأس أخيها ورؤوس ولديها وأهل بيتها أمامها على رؤوس الرماح طول الطريق حتى دخلوا دمشق على هذه الحال وادخلوا على يزيد في مجلس الرجال...وووولاازيد اكثر لاني اشعر ان الامام صاحب الزمان (عجل) يتألم ويبكي ..فعذرا سيدي .
ولمّا قام عبد الله بن الزبير بمكّة ، وحَمَل الناس على الأخذ بثار الحسين ، وخلع يزيد ، بَلَغ ذلك أهل المدينة ، فخطبت فيهم زينب ، وصارت تؤلّبهم على القيام للأخذ بالثار ، فبَلَغَ ذلك عمرو بن سعيد ، فكتب إلى يزيد يُعلِمُه بالخبر.
فكتب [ يزيد ] إليه : « أن فَرّق بينها وبينهم » فأمر أن يُنادى عليها بالخروج من المدينة والإقامة حيث تشاء.
فقالت : « قد علم الله ما صار إلينا ، قُتِل خَيرُنا ، وانسَقنا كما تُساق الأنعام ، وحُمِلنا على الأقتاب ، فوالله لا خرجنا وإن أُهريقَت دماؤنا ».
فقالت لها زينب بنت عقيل : « يا ابنة عمّاه ! قد صدقنا الله وعده وأورثنا الأرض نتبوّأُ منها حيث نشاء.
فطيبي نفساً وقَرّي عيناً ، وسيجزي الله الظالمين.
أتُريدين بعد هذا هوانا ؟!
إرحَلي إلى بلد آمِن »
ثمّ اجتمع عليها نساء بني هاشم ، وتَلَطّفنَ معها في الكلام ، وواسَينَها14.
اتفق المؤرخون على ان استشهادها (عليها السلام) كان في يوم الخامس عشر من شهر رجب المرجب.
و ذكر بعض المحققين: ان الأمويين نفوا السيدة زينب عليها السلام من المدينة المنورة إلى قرية من قرى الشام، حتى استشهدت هناك ودفنت حيث مرقدها الآن، وان أعداء أهل البيت (عليهم السلام) من بني أمية قد دسوا السم إلى عقيلة بني هاشم زينب (عليها السلام) فقضت نحبها مسمومة شهيدة، وذلك لما كانوا يرونه في حياتها من الخطر على عروشهم. ومعلوم ان النفي يعني تدبير جريمة ,فقد فرقوا السيدة أم البنين عن السيدة زينب (عليهما السلام) ثم نفذوا الاغتيالات عن طريق السم .
اَلسَّلامُ عَلَيْكِ يا بِنْتَ الْمُظَلَّلِ بِالْغَمامِ سَيِّدِ الْكَوْنَيْنِ وَمَوْلَى الثَّقَلَيْنِ وَشَفِيعِ الأُمَّةِ يَوْمَ الْمَحْشَرِ وَرَحْمَةُ اللهِ وَبَرَكاتُهُ اَلسَّلامُ عَلَيْكِ يا بِنْتَ سَيِّدِ اْلأَوْصِياءِ اَلسَّلامُ عَلَيْكَ يا بِنْتَ إِمامِ اْلأَتْقِيآءِ اَلسَّلامُ عَلَيْكِ يا بِنْتَ رُكْنِ الأَوْلِياءِ اَلسَّلامُ عَلَيْكِ يا بِنْتَ عِمادِ اْلأَصْفِيآءِ وَرَحْمَةُ اللهِ وَبَرَكاتُهُ
المصادر
1. تحفة العالم، السيد جعفر آل بحر العلوم : ج 1 ص 231.
2. ( السيدة زينب ) عائشة بنت الشاطيء ص 42 .
3. تذكرة الخواص ، لسبط ابن الجوزي ، ص 175.
4. زينب الكبرى جعفر النقدي ص 127 .
5. الأزورقاني من كتاب ( المصابيح ) لأبي بكر الوراق .
6. (عقيلة بني هاشم ) الهاشمي ص 40.
7. عقيلة الطهر والكرم | موسى محمد علي ص 114 . وقد ألف الحافظ جلال الدين السيوطي ( 849 ـ 911 هـ ) رسالة حول ذرية السيدة زينب سماها ( العجاجة الزرنبية في السلالة الزينبية ). مجلة ( الموسم ) ص 858 .
8. (زينب الكبرى ) جعفر النقدي ص 90.
9. (زينب الكبرى) للشيخ جعفر النقدي: ص 27، نقلا عن (مقاتل الطالبيين) لأبي الفرج الأصفهاني.
10. مقاتل الطالبيين، أبو الفرج الأصفهاني: ص 60.
11. أعيان الشيعة، السيد محسن الأمين: ج 33 ص 191.
12. حياة الإمام الحسين (ع) 304: 3.
13. زينب الكبرى، الشيخ جعفر النقدي: ص 34 – 36 |
14. أخبار الزينبات ص 115 ـ
- التعليقات:
بقلم :مجاهد منعثر منشد
يقول الشاعر مرتضى شرار العاملي
هي في الفصاحة والتجلّـد حيـدر...ولفاطـمٍ ذاك العفـافُ الأعجـبُ
مَن مثلهـا؟ إلاّ التـي هـي أمّهـا...هي بنت فاطمة، فمن يستغـرب
وحفيـدة الهـادي النبـيّ محمّـدٍ...وكفاهُ فخراً مَـن لأحمـدَ يُنسَـبُ
وأبوها مولى المؤمنيـن ،فمـا تـرى..ستكون زينبُ والأمير هـو الأبُ
أخواها سبطا المصطفى هل مَن لهـا..أَخَـوانِ مثلهمـا بمجـدٍ تُغلَـبُ
لو غيـر فاطمـةٍ تراهـا أنجبـتْ..شمساً كزينبَ عنـد ذاكَ سنعجـبُ
لكنّ هذي الشمس من شمس زهـتْ ..وهل الشموس سوى ضياء تنجبُ
حملـت فضائـل أمّهـا ومصائبـاً.. منهـا الجبـال بحملهـا تتكبكـبُ..
في بحثنا السابق عن مولد الحوراء زينب (عليها السلام ) الذي كان بعنوان (مولد عقيلة الهاشميين الحوراء زينب (ع) في المدينة) نطرقنا الى كناها وزوجها واولادها بشكل مختصر لذا سنذكرهم بموجز.ونذكر الان مافاتنا ذكره قبل الدخول في ذكرى استشهادها (عليها السلام) .ومولد زينب (عليها السلام) كان في زمن فيه عادة العرب استقبال ولادة الأنثى بالشؤم .ولكن كان تصرف النبي (صلى الله عليه واله وسلم ) مختلف تماما ,فعندما ولدت السيده زينب (عليها السلام) وَضَع خدّه الشريف على خدّها وبكى بكاءً شديداً وسالت دموعه على خديه. فإن ولادة كريمته الزهراء(ع) شكّلت عنده عيداً، كما كانت علاقته معها خلال حياته كانت مميزة، فلم يكن يسافر أو يرجع من سفر إلاّ مرّ وسلّم عليها.
إن هناك سرا مكتوماً عن الخلائق، قرأه النبي(ص) عندما نظرالى وجه حفيدته الوليدة، فهو أمرٌ يتعلق بحياتها القادمة وما سيجري عليها من مصائب لا تقوى عليه صناديد العرب .
إن النبي(ص) قد راى تاريخ حفيدته الوليدة عندما نظر في وجهها. فالقضية قضية وحي إلهي، قضية تعليم إلهي وكرامة ربّانيّة.
عندما رأت السيدة فاطمة(ع) هذا المشهد، سألت أباها محمد عن سبب بكائه، فأخبرها ما ستكون عليه هذه المولودة في حياتها وما ستشاهده وتعاينه.
لقد أشار النبي(ص) في كلامه لفاطمة(ع) إن من بكى على ابنتها كمن بكى على أخويها الحسن والحسين، فقد أنزل بذلك حفيدته "الأنثى" منزلة أخويها الإمامَيْن المعصومَيْن في نصيبها من الكمال الإنساني، دون أن يلغي التمايز الطبيعي بين الرجل والمرأة على مستوى الدور والوظيفة الإجتماعيّة وخصوصية كل منهما الطبيعيّة الحيويّة، فالقضية قضية إنسانية.
وقد بكى جبرائيل وهو يبلّغ النبي اسم المولودة ولم يسمِّ أحداً إلا بوحي من الله تعالى. وسأله النبي(ص) عن سبب بكائه، فكان جوابه بأنّ حياة هذه المولودة سوف تقترن بالمصائب والمتاعب من بدايتها إلى استشهادها .
زينب الكبرى، زوجة عبد الله بن جعفر، تكنّى أم الحسن، ويكفي في جلالة قدرها، ونبالة شأنها، ما ورد في بعض الأخبار من أنها دخلت يوماً على الحسين (عليه السلام)، وكان يقرأ القرآن، فوضع القرآن على الأرض، وقام لها إجلالاً1.
أصبحت السيدة زينب على صغر سنها سيدة المنزل وربة البيت ، ترعى شؤون أبيها واخوتها تماماً كما كانت أمها الزهراء تملأ فراغ اُمها خديجة بنت خويلد بالنسبة لرسول الله ( صلى الله عليه وآله ) حتى سميت أم أبيها .
وقد أشار العديد من الكتّاب والباحثين الى تحمل السيدة زينب لأعباء المنزل والعائلة بعد وفاة أمها الزهراء ( عليها السلام ) .
وتقول السيدة عائشة بنت الشاطيء : وإذا استطعنا أن نتناسى الى حين أحزان تلك الصبية التي روّع عامها الخامس بشهود مأساة الموت مرتين ، في أعز الناس لديها وأحبهم اليها ، اذا استطعنا أن نكف لحظة عن التحديق في تلك الظلال التي حامت على مهدها ، والأحزان التي أرهقت صباها ، ألفينا جانباً آخر من الصورة مشرقاً ، حيث تبدو « زينب » في بيت أبيها ذات مكانة أكبر من سنها : أنضجتها الأحداث ، وهيأتها لأن تشغل مكان الراحلة الكريمة ، فتكون للحسن والحسين وأم كلثوم ، أُماً لا تعوزها عاطفة الأمومة بكل ما فيها من حنو وايثار ، وإن أعوزتها التجربة والاختبار 2.
في بيت الدعوة إلى الله تعالى، ذلك البيت الذي كان فيه مهبط الوحي والتنزيل، تربّت عقيلة بني هاشم.
وقد أحاطت بها المحن والخطوب منذ نعومة أظفارها، وتجرّعت أقسى وأمرّ ألوان المصائب، كلّ ذلك من أجل رفع كلمة الله عالية خفّاقة.
اولادها:ـ
قيل : علي ، وعون الأكبر ، ، وعباس ، وأمّ كلثوم .3.
1. ـ علي :
المعروف بالزينبي ، وفي نسله الكثرة والعدد ، وفي ذريته الذيل الطويل والسلالة الباقية ، وهو كما في ( عمدة الطالب ) أحد ارجاء آل أبي طالب الثلاثة .
قفي ( تاج العروس ) مادة « زينب » : « والزينبون بطن من ولد علي الزينبي بن عبدالله الجواد بن جعفر الطيار ، نسبة الى أمه زينب بنت سيدنا علي ( رضي الله عنه ) وأمها فاطمة ( رض ) وولد علي هذا أحد أرجاء آل أبي طالب الثلاثة ) 4 .
ويقول عنه السيد الهاشمي : وأما علي بن عبدالله فهو المعروف بالزينبي ، نسبة الى أمه زينب بنت علي ( عليهما السلام ) ذكروا 5.
أنه كان ثلاثة في عصر واحد بني عم ، يرجعون الى أصل قريب ، كلهم يسمى علياً ، وكلهم يصلح للخلافة ، وهم : علي بن الحسين بن علي بن أبي طالب ( السجاد ) ، وعلي بن عبدالله بن العباس ، وعلي بن عبدالله بن جعفر الطيار ، ولكن إمام المسلمين وقتئذٍ كان السجاد زين العابدين ، يعظمه القريب والبعيد ، وتعنوا له كبار المسلمين ، وقد تزوج علي بن عبدالله بن جعفر ، لبابة بنت عبدالله بن عباس حبر الأمة ، وكان نسل عبدالله بن جعفر منه ، والسادة الزينبية كثيرون في العراق وايران ومصر والحجاز والأفغان والهند ، وقد جعل الله البركة في نسل هذه السيدة الطاهرة وطيب سلالتها 6 .
وقال ابن عنبة : كان علي الزينبي يكنى أبا الحسن وكان سيداً كريماً 7 .
2. عون بن عبدالله بن جعفر
كان مع أمه زينب في صحبة خاله الإمام الحسين ، وقد نال شرف الشهادة في كربلاء
وقد ورد ذكر عون في الزيارة الواردة في الناحية المقدسة أي عن الإمام الثاني عشر المهدي المنتظر ( عليه السلام ) حيث قال :
« السلام على عون بن عبدالله بن جعفر الطيار في الجنان ، حليف الإيمان ، ومنازل الأقران ، الناصح للرحمن ، التالي للمثان ، لعن الله قاتله عبدالله بن قطنة النبهاني » 8.
3. ـ عباس :
ذكر المؤرخون اسمه دون الأشارة الى شيء من حياته وسيرته
4. أم كلثوم :
أم كلثوم : وهي البنت الوحيدة كما يبدوا للسيدة زينب ، ولابد وأنها قد ورثت شمائل أمها ، وتحلت بمكارم أخلاق أبيها..
العقيلة.
ـ زينب العقيلة بنت علي بن أبي طالب، وأمها فاطمة بنت رسول الله (صلى الله عليه وآله)، والعقيلة هي التي روى ابن عباس عنها كلام فاطمة (عليها السلام) في فدك، فقال: حدثتني عقيلتنا زينب بنت علي9.
ويقول بن العباس - عبد الله :ـ إذا تحدت عنها قال: (حدثتني عقيلتنا زينب بنت علي (عليه السلام) 10.
فما معنى العقيلة؟
ورد في لسان العرب: عقيلة القوم: سيدتهم
وعقيلة كل شيء أكرمهم.
ويقال عقيلة قومها كريمتهم.
و في صحاح اللغة : إن العقيلة هي الكريمة.
أما معجم الوسيط فقد أشار أن: العقيلة هي السيدة المخدرة.
كانت زينب)عليها السلام) من فضليات النساء، وفضلها أشهر من أن يذكر، وأبين من أن يسطر، وتعلم جلالة شأنها، وعلوّ مكانتها، وقوة حجّتها، ورجاحة عقلها، وثبات جنانها، وفصاحة لسانها، وبلاغة مقالها، كأنّها تفرغ عن لسان أبيها أمير المؤمنين (عليه السلام) في خطبها بالكوفة والشام... وليس عجباً من زينب أن تكون كذلك وهي فرع من فروع الشجرة الطيبة النبوية، والأرومة الهاشمية، جدّها رسول الله، وأبو الوصي، وأمها البتول، وأخواها لأمها وأبيها الحسنان، ولا بدع أن جاء الفرع على منهاج أصله. 11.
إن شخصية الحوراء زينب كانت شخصية عظيمة في التاريخ وتحدت بشجاعتها وبرباطة جأشها كل الطغاة والظالمين الذين أرادوا تضليل الأمة وحرفها عن الصراط المستقيم ،
إن حياة عقيلة الطالبيين مدرسة رسالية متكاملة في العلم والإخلاق والمناقبيات والجهاد والنشاط والعمل الإسلامي الدؤوب من أجل الدفاع عن الإسلام ومقارعة الظلم والتحريف والجاهلية الأموية التي أرادت الإنقلاب على الإسلام وتحريفه
جمعت السيدة زينب الكبرى (عليها السلام) الصفات التالية :ـ
العبادة. الزهد. الصبر. الشجاعة. البلاغة والفصاحة..
وكانت حفيدة الرسول زينب سلام الله عليها كأبيها وأخيها في عظيم إيمانها وانقطاعها إلى الله، فقد وقفت على جثمان شقيقها الذي مزّقته سيوف الشرك، هو جثة هامدة بلا رأس، فرمقت السماء بطرفها، وقالت كلمتها الخالدة التي دارت مع الفلك وارتسمت فيه: (اللّهمّ تقبّل منّا هذا القربان)12 .
إن زينب (عليها السلام) كان لها مجلس خاص في بيتها أيام إقامة أبيها (عليه السلام) في الكوفة، وكانت تفسر القرآن للنساء. ففي بعض الأيام، كانت تفسر (كهيعص) إذ دخل أمير المؤمنين (عليه السلام) عليها، فقال لها: يا نور عيني سمعتك تفسرين (كهيعص) للنساء؟ فقالت: نعم. فقال: هذا رمز لمصيبة تصيبكم عترة رسول الله (صلى الله عليه وآله). ثم شرح (عليه السلام) لها المصائب، فبكت بكاءً عالياً.13.
وحق لها أن تسمى أم المصائب .فقد كانت شاهد وحاضرمصيبة استشهاد جدها الرسول الاعظم (صلى الله عليه واله وسلم ) .وشاهدت مصيبة استشهاد أمها البتول الزهراء (ع) .ومصيبة استشهادأبيها أمير المؤمنين (ع). ومصيبة شهادة أخيها الحسن بالسم . والمصيبة العظمى قتل أخيها الحسين (ع) من البداية حتى النهاية ...
المحنة والمصيبة رافقت العقيلة زينب بشكل متسلسل .وكل مصيبة ومحنة باسلوب اقوى واشد من الاخر .فالعدو استخدم اساليب مختلفة .
وكل هذه المصائب وتشاهد مصرع ولدها( عون) امام عينها في واقعة الطف مع خاله الامام الحسين (عليه السلام) ..وسيقت اسيره من كربلاء إلى الكوفة .ومن الكوفة إلى ابن آكلة الأكباد بالشام ورأس أخيها ورؤوس ولديها وأهل بيتها أمامها على رؤوس الرماح طول الطريق حتى دخلوا دمشق على هذه الحال وادخلوا على يزيد في مجلس الرجال...وووولاازيد اكثر لاني اشعر ان الامام صاحب الزمان (عجل) يتألم ويبكي ..فعذرا سيدي .
ولمّا قام عبد الله بن الزبير بمكّة ، وحَمَل الناس على الأخذ بثار الحسين ، وخلع يزيد ، بَلَغ ذلك أهل المدينة ، فخطبت فيهم زينب ، وصارت تؤلّبهم على القيام للأخذ بالثار ، فبَلَغَ ذلك عمرو بن سعيد ، فكتب إلى يزيد يُعلِمُه بالخبر.
فكتب [ يزيد ] إليه : « أن فَرّق بينها وبينهم » فأمر أن يُنادى عليها بالخروج من المدينة والإقامة حيث تشاء.
فقالت : « قد علم الله ما صار إلينا ، قُتِل خَيرُنا ، وانسَقنا كما تُساق الأنعام ، وحُمِلنا على الأقتاب ، فوالله لا خرجنا وإن أُهريقَت دماؤنا ».
فقالت لها زينب بنت عقيل : « يا ابنة عمّاه ! قد صدقنا الله وعده وأورثنا الأرض نتبوّأُ منها حيث نشاء.
فطيبي نفساً وقَرّي عيناً ، وسيجزي الله الظالمين.
أتُريدين بعد هذا هوانا ؟!
إرحَلي إلى بلد آمِن »
ثمّ اجتمع عليها نساء بني هاشم ، وتَلَطّفنَ معها في الكلام ، وواسَينَها14.
اتفق المؤرخون على ان استشهادها (عليها السلام) كان في يوم الخامس عشر من شهر رجب المرجب.
و ذكر بعض المحققين: ان الأمويين نفوا السيدة زينب عليها السلام من المدينة المنورة إلى قرية من قرى الشام، حتى استشهدت هناك ودفنت حيث مرقدها الآن، وان أعداء أهل البيت (عليهم السلام) من بني أمية قد دسوا السم إلى عقيلة بني هاشم زينب (عليها السلام) فقضت نحبها مسمومة شهيدة، وذلك لما كانوا يرونه في حياتها من الخطر على عروشهم. ومعلوم ان النفي يعني تدبير جريمة ,فقد فرقوا السيدة أم البنين عن السيدة زينب (عليهما السلام) ثم نفذوا الاغتيالات عن طريق السم .
اَلسَّلامُ عَلَيْكِ يا بِنْتَ الْمُظَلَّلِ بِالْغَمامِ سَيِّدِ الْكَوْنَيْنِ وَمَوْلَى الثَّقَلَيْنِ وَشَفِيعِ الأُمَّةِ يَوْمَ الْمَحْشَرِ وَرَحْمَةُ اللهِ وَبَرَكاتُهُ اَلسَّلامُ عَلَيْكِ يا بِنْتَ سَيِّدِ اْلأَوْصِياءِ اَلسَّلامُ عَلَيْكَ يا بِنْتَ إِمامِ اْلأَتْقِيآءِ اَلسَّلامُ عَلَيْكِ يا بِنْتَ رُكْنِ الأَوْلِياءِ اَلسَّلامُ عَلَيْكِ يا بِنْتَ عِمادِ اْلأَصْفِيآءِ وَرَحْمَةُ اللهِ وَبَرَكاتُهُ
المصادر
1. تحفة العالم، السيد جعفر آل بحر العلوم : ج 1 ص 231.
2. ( السيدة زينب ) عائشة بنت الشاطيء ص 42 .
3. تذكرة الخواص ، لسبط ابن الجوزي ، ص 175.
4. زينب الكبرى جعفر النقدي ص 127 .
5. الأزورقاني من كتاب ( المصابيح ) لأبي بكر الوراق .
6. (عقيلة بني هاشم ) الهاشمي ص 40.
7. عقيلة الطهر والكرم | موسى محمد علي ص 114 . وقد ألف الحافظ جلال الدين السيوطي ( 849 ـ 911 هـ ) رسالة حول ذرية السيدة زينب سماها ( العجاجة الزرنبية في السلالة الزينبية ). مجلة ( الموسم ) ص 858 .
8. (زينب الكبرى ) جعفر النقدي ص 90.
9. (زينب الكبرى) للشيخ جعفر النقدي: ص 27، نقلا عن (مقاتل الطالبيين) لأبي الفرج الأصفهاني.
10. مقاتل الطالبيين، أبو الفرج الأصفهاني: ص 60.
11. أعيان الشيعة، السيد محسن الأمين: ج 33 ص 191.
12. حياة الإمام الحسين (ع) 304: 3.
13. زينب الكبرى، الشيخ جعفر النقدي: ص 34 – 36 |
14. أخبار الزينبات ص 115 ـ
- التعليقات:
» العدد السادس اليهود في حركة مايس و الفرهود المفتعل
» العدد الخامس اليهود اثناء الحكم الملكي في العراق
» العدد الرابع اليهود في ظل الاحتلال الانكليزي على العراق.
» العدد الثالث اليهود في ظل السيطرة العثمانية على العراق .
» الحركة الصهيونية والتهجير الاجباري في العراق
» العدد الثاني نبذة مختصرة عن تاريخ يهود العراق القديم
» تصريح امير قبيلة خفاجة بشأن الموقف من الشخصيات السياسية والعشائرية
» العدد الاول دولة الفكر الصهيوني ومسالة القومية اليهودية