الأدّلة على رفس عمر بقدمه بطن الزهراء (عليها السّلام) واسقاط المحسن
لم يكن رحيل السيدة الزهراء (عليها السّلام) وليد مرض , أو نتيجة طبيعية , بل جاء رحيلها نتيجة غصص وآلام سرّعت من رحيلها إلى عالم الملكوت عند مليك مقتدر .
لم تمضِ فترة قصيرة بعد وفاة أبيها حتّى لحقت اُمّ أبيها به (صلوات الله عليه وعليها) . لقد كابدت تلك المرأة معاناة حقيقية بعد وفاة أبيها . لقد تغلغل الحزن فيها إلى أن تجذّر وأصبحت أيّامها سواداً في سواد .
نقل صاحب كتاب الوافي بالوفيات(16) , عن النظام المعتزلي(17) قال : إنّ عمر ضرب بطن فاطمة يوم البيعة حتّى ألقت المحسن في بطنها(18) .
ورَوى أحمد بن محمد المعروف بابن أبي دارم(19) أنّ عمر رفس فاطمة حتّى أسقطت بمحسن(20) .
وقال المسعودي : وضغطوا سيدة النساء بالباب حتّى أسقطت محسناً(21) .
نعم لقد انتقلت الزهراء (عليها السّلام) إلى جوار ربِّها مظلومة مقهورة بسبب ما جرى لها من ضرب ورفس أدّى إلى إسقاط جنينها المحسن , ومن ثمّ مرضت إلى أن لحقت بأبيها تشكو له ما جرى عليها .
قال الإمام موسى الكاظم (عليه السّلام) وهو يصف ما جرى : (( لمّا حضرت رسول الله (صلّى الله عليه وآله) الوفاة دعا الأنصار وقال : يا معشر الأنصار , لقد حان الفراق ... إلى أن قال : ألا إنّ فاطمة بابها بابي , وبيتها بيتي ؛ فمن هتكه فقد هتك حجاب الله )) .
قال الراوي : فبكى الإمام الكاظم (عليه السّلام) طويلاً , وقطع بقية كلامه وقال : (( هُتك والله حجابُ الله , هُتك والله حجابُ الله , هُتك والله حجاب الله ! ))(22) .
ويوماً فيوماً راحت تذبل تلك الزهرة اليانعة , وأخذ المرض منها مأخذاً . يقول الإمام الصادق (عليه السّلام) : (( فأسقطت محسناً , ومرضت من ذلك مرضاً شديداً , وكان ذلك هو السبب في وفاتها )) .
كيف لا يكون كذلك وهي ابنة ثمانية عشر عاماً ! لقد اكتملت عليها المصائب بضربها واقتحام دارها , فكانت البداية والنهاية , وصارت طريحة الفراش تنتظر أجلها الذي اقترب منها سريعاً .
يقول الإمام زين العابدين (عليه السّلام) عن أبيه الحسين (عليه السّلام) , قال : (( لمّا مرضت فاطمة بنت رسول الله (صلّى الله عليه وآله) أوصت علي بن أبي طالب (عليه السّلام) أن يكتم أمرها , ويخفي خبرها ... )) .
لقد يئست الزهراء (عليها السّلام) من أهل المدينة الذين طلبت نصرتهم فلم ينصروها , وسئمتهم وزهدت في مروءتهم ؛ فبلغ بها الأمر ألاّ تريد رؤيتهم في مرضها الأخير ؛ فإنه يكفيها علي (عليه السّلام) ليقف بجانبها وهي على هذه الحالة .
وصية الزهراء (عليها السّلام)
لما دنت من الزهراء (عليها السّلام) الوفاةُ أوصت أمير المؤمنين (عليه السّلام) بوصايا كثيرة , منها : (( ... واُوصيك إذا قضيت نحبي ؛ فغسلني , ولا تكشف عني ؛ فإني طاهرة مطهّرة , وحنطني بفاضل حنوط أبي رسول الله (صلّى الله عليه وآله) , وصلِّ عليَّ , وليصلِّ معك الأدنى فالأدنى من أهل بيتي , وادفني ليلاً لا نهاراً إذا هدأت العيون ونامت الأبصار , وسرّاً لا جهاراً , وعفِ موضع قبري , ولا تشهد جنازتي أحداً ممّن ظلمني )) .
لقد أرادت الزهراء (عليها السّلام) مواصلة الجهاد بعد مماتها , فكانت وصيتها الإعلان الأخير لموقفها الصامد والمستمر , من استشهاد الرسول (صلّى الله عليه وآله) وحتّى مرضها , وتريده باقياً إلى ما شاء الله .
في لحظاتها الأخيرة طلبت ثياباً جديدة , ثمّ دعت سلمى امرأة أبي رافع وقالت لها : (( هيِّئي لي ماءً )) . وطلبت منها أن تسكب لها الماء وهي تغتسل . ثمّ لبست ملابسها الجديدة , وأمرت أن يُقدّم سريرها إلى وسط البيت , واستلقت عليه مستقبلة القبلة , وقالت : (( إنّي مقبوضة الآن فلا يكشفني أحد )) .
تقول أسماء بنت عميس : لمّا دخلت فاطمة (عليها السّلام) البيت انتظرتها هنيئة , ثمَّ ناديتها فلم تجب , فناديت : يا بنت محمّد المصطفى , ... فلم تجب , فدخلت البيت وكشفت الرداء عنها فإذا بها قد قضت نحبها شهيدة صابرة , مظلومة محتسبة ما بين المغرب والعشاء .
وكثر الصراخ في المدينة على ابنة رسول الله (صلّى الله عليه وآله) , واجتمع الناس ينتظرون خروج الجنازة , فخرج إليهم أبو ذر وقال : انصرفوا ؛ إنّ ابنة رسول الله اُخّر إخراجها هذه العشية .
وجاءت أهم اللحظات , لحظة تنفيذ بند الوصية المهم , ذلك البند الذي سيظل شاهداً على موقف الزهراء (عليها السّلام) إلى القيامة , إنها لحظات الدفن التي يجب أن تكون سراً , وقبلها الصلاة على الجنازة الذي كان محدداً فيها ألاّ يكون فيه شخص ممّن ظلم الزهراء (عليها السّلام) هكذا كانت الوصية .
جنّ الليل , نامت العيون , وهدأت الأبصار , وجاء في جوف الليل نفرٌ قليل من الهاشميِّين ومن المحبّين الذين وقفوا مع علي (عليه السّلام) , فشيّعوها , ثمّ دفنها أمير المؤمنين (عليه السّلام) في مثواها الأخير .
واُسدل الستار على أوّل محطة سقطت الاُمّة في امتحانها ، وغادرت الزهراء (عليها السّلام) مشتاقة للقاء ربِّها وأبيها , ذهبت وهي تحمل جراحات مثخنة وآلاماً عظاماً , انتقلت لتشكو إلى الله سبحانه وتعالى ليحكم لها على مَن ظلمها وغصب حقّها .
فسلام عليها يوم ولدتْ ويوم استُشهدتْ ويوم تُبعث راضيةً مرضية .
والحمد لله ربِّ العالمين والصلاة والسّلام على محمّد وآله الطاهرين
ــــــــــــــــــــــ
1 ـ منتخب كنز العمّال 5 / 97 , نور الأبصار / 51 , مناقب الإمام علي (عليه السّلام) ـ لابن المغازلي / 360 .
2 ـ مناقب الإمام علي (عليه السّلام) ـ لابن المغازلي / 342 .
3 ـ مناقب الإمام علي (عليه السّلام) من الرياض النضرة / 141 .
4 ـ الجامع الصغير 1 / 37 ح 203 , الصواعق المحرقة / 191 , ينابيع المودّة 2 / 479 باب 59 , كنز العمّال 13 / 93 .
5 ـ نور الأبصار / 52 , وقريب من لفظه في كنز العمّال 13 / 95 .
6 ـ كنز العمال 6 / 219 .
7 ـ صحيح مسلم 5 / 54 , خصائص الإمام علي (عليه السّلام) ـ للنسائي / 121 و 122 , مصابيح السنّة 4 / 185 , الإصابة 4 / 378 , سير أعلام النبلاء 2 / 119 , كنز العمّال 13 / 97 . وقريب من لفظه في سنن الترمذي 3 / 241 باب فضل فاطِمَة (عليها السّلام) , حلية الأولياء 2 / 40 , منتخب كنز العمّال بهامش المسند 5 / 96 , معرفة ما يجب لآل البيت النبوي من الحق على من عداهم / 58 , ذخائر العقبى / 38 , تذكرة الخواص / 279 , ينابيع المودّة 2 / 478 باب 59 .
8 ـ السنن الكبرى 10 / 201 باب من قال : لا تجوز شهادة الوالد لولده , كنز العمّال 13 / 96 , نور الأبصار / 52 , ينابيع المودّة 2 / 322 .
9 ـ ذكره الحاكم في المستدرك 3 / 153 .
10 ـ كشف الغمة 1 / 467 .
11 ـ تاريخ الخلفاء 1 / 12 .
12 ـ الكامل في التاريخ ـ لابن الأثير 2 / 325 .
13 ـ الإمامة والسياسة (تاريخ الخلفاء) / 12 ـ 13 .
14 ـ صحيح البخاري 4 / 42 ، دار الفكر ـ بيروت , وأخرج البخاري أيضاً في كتاب الفرائض , وقال : فهجرته فاطمة فلم تكلّمه حتّى ماتت . (صحيح البخاري 8 / 30 ، دار الفكر ـ بيروت) .
15 ـ أنساب الأشراف 1 / 586 ، طبعة دار المعارف بالقاهرة .
16 ـ هو صلاح الدين خليل بن إيبك الصفدي .
17 ـ هو إبراهيم بن سيّار البصري المعتزلي المشهور بالنظام (160 ـ 231هـ ) . وقالت المعتزلة : إنّما لقّب بالنظام لحسن كلامه نظماً ونثراً . وكان ابن أُخت أبي هذيل العلاف شيخ المعتزلة ، وكان شديد الذكاء .
18 ـ الوافي بالوفيات 6 / 17 .
19 ـ مُحدِّثٌ كوفي , توفى سنة (357) هجرية ، عرَّفه الذهبي بقوله : كان موصوفاً بالحفظ والمعرفة .
20 ـ ميزان الاعتدال 1 / 139 ، رقم الترجمة 552 .
21 ـ اثبات الوصية / 143 .
22 ـ كتاب سليم بن قيس الهلالي / 31 .
الشيخ حسين الأكرف: يا زهراء - موال
الأربعاء سبتمبر 14, 2016 1:46 am من طرف المدير
» العدد السادس اليهود في حركة مايس و الفرهود المفتعل
السبت أغسطس 27, 2016 2:33 pm من طرف المدير
» العدد الخامس اليهود اثناء الحكم الملكي في العراق
الخميس أغسطس 25, 2016 2:14 am من طرف المدير
» العدد الرابع اليهود في ظل الاحتلال الانكليزي على العراق.
الخميس أغسطس 25, 2016 2:12 am من طرف المدير
» العدد الثالث اليهود في ظل السيطرة العثمانية على العراق .
الأربعاء أغسطس 17, 2016 4:31 am من طرف المدير
» الحركة الصهيونية والتهجير الاجباري في العراق
الخميس أغسطس 11, 2016 2:49 am من طرف المدير
» العدد الثاني نبذة مختصرة عن تاريخ يهود العراق القديم
الأربعاء أغسطس 10, 2016 7:21 am من طرف المدير
» تصريح امير قبيلة خفاجة بشأن الموقف من الشخصيات السياسية والعشائرية
الثلاثاء أغسطس 02, 2016 6:21 pm من طرف المدير
» العدد الاول دولة الفكر الصهيوني ومسالة القومية اليهودية
الثلاثاء أغسطس 02, 2016 11:45 am من طرف المدير